لا تخلو لحظة من لحظات الحياة اليومية إلا و يكون فيها موقف من مواقف التعلم، و قد يكون موجها و هادفا، كما يحد في المؤسسات التربوية و التعليمية، و الأهداف التعليمية هي بمثابة عبارات مكتوبة بدقة لوصف الطريقة التي سيتصرف بها الطلاب في نهاية المساق الدراسي و هي بذلك تصف ما يتوقع من التلميذ أو الطالب إنجازه في نهاية الوحدة الدراسية.لذلك فموضوع التحصيل الدراسي من بين المواضيع المهمة التي تطرق إليها الكثير من علماء النفس التربوي، و الذي من خلالهم سنحاول بإذن الله إعطاء و لو لمحة عنه.
تعريف التحـصيل الـدراسي
التحصيل لغة، مشتق من الفعل حصّل أي حصل عليه أو جمعه، أما اصطلاحا، فهو يدل على كل ما يكتسبه الشخص من مهارات فكرية أو غيرها،و غالبا ما يقترن التحصيل بالدراسة، فنقول تحصيل دراسي.وقد وردت عدة تعاريف له، نذكر منها مايلي :
نجد في قاموس علم النفس هذا التعريف : " بأنه مستوى محدد من الإنجاز أو الكفاءة أو الأداء في العمل المدرسي أو الأكاديمي، يُجرى من قبل المدرسين أو بواسطة الإختبارات المقننة. "
و يعرفه وبستنر على أنه "أداء الطالب لعمل ما من ناحية الكم أو الكيف."
أما د/ رشاد صالح الدمنهوري : " المعدل التراكمي الذي يحصل عليه الطالب في مرحلة دراسية ما."
و يضيف صلاح الدين علام أنه مدى استيعاب التلاميذ لما تعلموه من خبرات معينة في مادة دراسية مقررة و تقاس بالدرجات التي يحصل عليها التلميذ في الإختبارات التحصيلية."
كما يرى باحثون أخرون على أنه" النتائج المحصل عليها بعد القيام بنشاط معين سواء كان فكري أو غير فكري، و غالبا ما يكون على معنى أخر : للنجاح و التفوق."
و يقول روبير لافون : " التحصيل الدراسي يعني المعرفة التي يتحصل عليها الفرد من خلال برنامج مدرسي قصد تكيفه مع الوسط و العمل المدرسي."
و عليه، فإن التحصيل الدراسي لم يقتصر مفهومه على معنى واحد حيث أن هناك من يرى أنه كل ما يتحصل عليه الفرد من معرفة في المدرسة و هناك من يرى أنه القدير الكمي
( العلامات ) التي يجب أن يحصلها المتمدرس خلال تعليمه.
كما يرى إبراهيم عبد المحسن الكناني أنه كل أداء يقوم به الطالب في الموضوعات المدرسية المختلفة و الذي يمكن إخضاعه للقياس عن طريق درجات اختبار أو تقديرات المدرسين.
كل هذه التعاريف و المفاهيم تجعلنا نقول أن التحصيل الدراسي هو ذلك التقييم الكمي للنشاط المبذول من طرف التلميذ أو الطالب، سواء كان هذا النشاط عقليا أو بدنيا.
مراحل التمدرس عند الطفل و المراهق
بما أن الموضوع هو التحصيل الدراسي للطفل و المراهق، فلابد أن نذكر مختلف الأعمار و الصفوف التي يمر بها هذا الفرد أثناء تمدرسه و هي كالأتي :
- من 6 إلى 12 سنة : المرحلة الإعدادية أو الإبتدائية.
- من 12 إلى 15 سنة : المرحلة الإكمالية.
- من 15إلى 18 سنة (قد تصل سن الطالب هنا إلى 20 سنة أقصاها) : المرحلة الثانوية.
و خلال هذه المراحل المختلفة من حياته الدراسية، هناك عوامل خارجية و أخرى داخلية تؤثر على مردوده الدراسي، و هذا ما سنتطرق إليه.
العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي
و تنقسم إلى نوعين :- العوامل الداخلية :
و في هذا العنصر سنذكر مجمل العوامل التي قد تؤثر إما سلبا أو إيجابا على تحصيل الطفل أو المراهق في المدرسة.
- النمو العقلي عند الطفل :
في مرحلة الطفولة المتأخرة نجد أن النمو العقلي على عكس النمو الجسمي ـ الذي أخذ في التباطىء ـ أخذ في السرعة و الازدياد و ذلك نتيجة نمو المخ و الجهاز العصبي. و يساعد هذا النمو التحاق الطفل بالمدرسة حيث يتعلم و يكتسب فيها المهارات الأساسية و الضرورية لتعلم القراءة و الكتابة و الحساب، كما ينمو لديه التفكير و يتطور حسب بياجي من التفكير الحسي الحركي إلى التفكير الرمزي الشبه المحسوس ثم إلى التفكير المجرد ثم تنمو القدرة على الإحاطة العقلية لبعض ظواهر المحيط مع إضفاء الطابع الموضوعي على ما يحيط به.
أما المردود اللغوي ،فيكون الطفل قد اكتسب في السنة السادسة من العمر أكثر من 3000 كلمة و مع الدخول المدرسي يتعلم اللغة و تزداد المفردات التي يتحصل عليها بحوالي 60% و هو الأمر الذي يجعله يستطيع تركيب الجمل المركبة كما تنمو لديه القدرة على التعبير الشفوي ثم الكتابي .
هذا فيما يخص طفل سن ما بين 6 إلى 9 سنوات أي في المرحلة الابتدائية، إما فيما يخص طفل ما بين 9 إلى 12 سنة، فيستمر في هذه المرحلة نمو الذكاء و ينتقل فيها الطفل إلى التفكير المجرد كما سلف الذكر سابقا حيث يستخدم المفاهيم و المدركات أي يصبح تفكيره واقعيا، يتحكم في العمليات العقلية دون المنطقية مع إدراك الأشياء بوصفها و القدرة على تقدير الأقيسة و الكميات ثم مع سن 12 سنة ينمو لديه التفكير الاستدلالي، أي تظهر لديه أشكال فكرية أكثر استنتاجا و استقراءا و تطورا بمعنى أخر، ظهور التفكير التركيبي الذي يؤدي به إلى استخدام المناهج لاستكشاف الواقع، ثم بعد ذلك تنمو لديه بالتدريج القدرة على الابتكار.
و علينا أن لا ننسى أن المردود اللغوي في هذه السن يتقدم، حيث يزداد عدد المفردات التي يكتسبها الطفل في المدرسة و في البيت كما يدرك الآن معانيها.
- النمو العقلي عند المراهق :
إن أهم ما يميز فترة المراهقة هو نمو القدرات القلية و نضجها، ففي سن ما بين 12إلى 14 سنة يستمر نمو الذكاء الخاص و يبدو الذكاء العام أكثر وضوحا كما تنمو أيضا القدرة على التعلم و التحصيل و اكتساب المهارات مع نمو الإدراك و الانتباه و التفكير و التذكر كما يزداد اكتساب المفاهيم المجردة و فهم الرموز و الأشياء المعقدة ، أما في المرحلة الثانية من المراهقة أي بين 14 إلى 17 سنة، فيكتمل نمو الذكاء و تنمو بصفة تامة القدرات العقلية بخاصة الميكانيكية و اللفظية و العمليات العقلية العليا ( الابتكار، التذكر، التفكير المجرد، ..) و أخيرا في سن مابين 17 إلى 21 سنة، يصل الذكاء إلى قمة النضج حيث يكتسب المراهق المهارات العقلية و يدرك المفاهيم التي يستخدمها في المناقشة مع الآخرين و ينمو لديه التفكير المنطقي و المجرد و الإبتكاري كما يتمكن من فهم و حل المسائل المعقدة.
و من أبرز أوجه النشاط العقلي في هذه الفترة هو قدرة المراهق على اختيار نوع الدراسة التي يميل إليها، كأن يتجه نحو الدراسات العلمية أو الأدبية أو التكنولوجية.... و هذا طبعا حسب اختياره و توجهه نحو الشعبة الدراسية الموجودة و المقررة عليه للاختيار.
لكن قد يواجه المراهق خاصة بعض الصعوبات التي قد تعيق تحصيله الدراسي و تؤثر عليه سلبا و هذا طبعا راجع إلى خصائص هذه الفترة و ما تلحظه من تغيرات جسمية و فيزيولوجية و انفعالية، لهذا قد يميل المراهق أكثر إلى الاهتمام بهندامه و علاقاته بالآخرين و إهمال دراسته و لو كان هذا مؤقتا، لذلك، قد نلاحظ أن المردود الدراسي المحصل عليه من طلبة التعليم الثانوي خلال الفصل الأول لهم، يكون ضئيلا أو أقل مما كان عليه في التعليم الابتدائي و الإكمالي ، و هذا راجع طبعا إلى نوع الدراسة و كذلك إلى مرحلة المراهقة.
- الجــنس:
من الأكثر تحصيلا ؟ أهم الإناث أم الذكور ؟
لقد أوضحت الدراسات أن الذكور يميلون إلى إظهار قدرات تحصيلية أكثر من البنات و أن الفرق بين الجنسين يعكس توقعات دور الجنس التقليدي حيث أن الذكور يتوقع منهم أن يحصلوا على نتائج أفضل و في أحيان أخرى يرى أن الإناث يظهرون دافعية أكبر للتحصيل. و هذه الفروق ترجع جزئيا إلى المدرسة، فقد بينت البحوث أن المعلمين يميلون إلى توجيه الانتقادات على التحصيل للبنات أكثر منه للأولاد، و قد يكون النقد موجها للأولاد في قليل من الأحيان.و هذا ما يؤثر على ذات المتمدرسين فيدفع بهم إلى الفشل الدراسي.
- الذكاء :
يعرف وكسلر الذكاء أنه القدرة الكلية للفرد على العمل الهادف و التفكير المنطقي و التفاعل الناجح مع البيئة.
و قد تعددت الأبحاث التي تناولت علاقة الذكاء بالتحصيل الدراسي، و يمكن تلخيص النتائج التي توصلت إليها الأبحاث في هذا المجال في الآتي :
- وجد أن معامل الارتباط بين الذكاء و التحصيل الدراسي أكبر في التعليم الأولي مما هو عليه في المراحل العليا ( الثانوي و الجامعي) ، حيث قدر معامل الارتباط بينهما بـ :
0.75 لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية و 0.50 لدى الطلبة الجامعيين.
أما عن كون هذه المعاملات جزئية، فهو لأن التحصيل يتأثر بعوامل أخرى غير الذكاء ـ كما سنذكر لاحقا ـ كما يعود انخفاضها في الراحل الدراسية العليا إلى توقف التحصيل في الجامعة إلى حد كبير على الإستعدادت الخاصة و الميول و الاهتمامات و الاتزان الانفعالي.
- الذكاء ضروري للمدرسة ذات المستوى العالي و للعمل الأكاديمي.
- الإنطوائيون يتفوقون على الانبساطيين في التحصيل الدراسي، كما أن الأفراد الذين يفتقدون الاتزان العاطفي كثيرا ما يفشلون في التحصيل و الدراسة.
- وُجِدَ أن الطلاب ذو الذكاء العالي يصلون على درجات عالية و يستمرون في الدراسة لمدة أطول من ذوي الذكاء الضعيف.
مما سبق نستنتج أن العلاقة بين الذكاء و التخيل الدراسي علاقة غير منتظمة، و أنه ليس هناك ارتباط تام بينهما.
فالدلائل جميعها تشير إلى وجود متغيرات أخرى تتدخل في تحديد المستوى التحصيلي إلى جانب الذكاء، فقد يشير الذكاء في أفضل حالاته إلى الذي الممكن لإمكانات الفرد، إلا أنه لا ينبئ عما إذا كان هذا الفرد سيحقق هذه الإمكانات أم لا.
[ حنان العناني، علم النفس التربوي، ص 61،62 بتصرف ]
- الإستعدادت و القدرات :
هنا يرى بعض العلماء أن لدرجة الاستعداد علاقة بالنضج، فهو يحددها إما بالضعف أو القوة، و النضج هو القدرة على اكتساب مهارة ما في وقت معين.
كما أن الاستعداد المعرفي يشير إلى ملائمة العمليات الكمية السائدة بطرائقها و أدواتها و إمكانيتها على التعامل متطلبات المهمة التعليمية العقلية المعينة، و الاستعداد يساعد على تحقيق التعلم و يحدد مقدرة الفرد على ذلك، بضمان تحصيل دراسي جيد للطلبة يجب أن يكون هناك استعداد جسمي، عقلي، انفعالي، اجتماعي.
و على هذا الأساس فإن أصحاب الاتجاه المعرفي يعتقدون أن الطلاب يجب أن يتعرضوا إلى مناهج مدرسية تراعي مستوى نضجهم أي تحدد الفترة التي يكون فيها الطالب مستعدا للاستفادة من البرنامج الدراسي المقدم له، و إلا فكل ذلك سيذهب هباء منثورا، و من المؤكد أن أثره على التحصيل الدراسي سيظهر.
لهذا نجد أن المقررات الدراسية الموجهة للتلاميذ في الابتدائية تختلف عن تلك في الإكمالية و كذا الثانوية، و هذا طبعا كان بمراعاة القدرات العقلية للطفل و المراهق، إضافة إلى استعداداته الجسمية و العقلية أيضا في استيعاب ما يقدم له من دروس.
- الفروق الفردية :
من المعلوم أن الأفراد يختلفون فيما بينهم في شيء أو أشياء، و هذا ما يجعلنا لا نتشابه في تصرفاتنا.
نفس الشيء يحصل بين التلاميذ أو الطلبة، فالفروق الفردية تلعب دورا كبيرا إما في نجاح التلميذ أو رسوبه و هذا يعود إلى عاملين مهمين هما : القصور و الكفاءة ، و نقصد بالقصور ذلك التأخر الدراسي و عدم إتقان المهارات أو النشاط الذي يقوم به بقية الأقران، و هذا القصور يؤثر سلبا على تحصيل التلميذ أو الطالب، كما أن نظرة الآخرين ـ المعلم، الأصدقاء،..ـ تكون نظرة شفقة أو نظرة متدنية.
أما الكفاءة، فهي قدرة الطالب على تحقيق النجاح في الدراسة، و التي يسهم الذكاء من زيادتها إضافة إلى التنشئة الاجتماعية و الثقافية التي تؤثر في ذلك إلى حد كبير.
قبل المرور إلى العوامل الخارجية المؤثرة على التحصيل الدراسي، لا بأس أن نشير إلى أن الشخصية و التحفيز كذلك يعدان من المؤثرات الداخلية، حيث أن التحفيز الإيجابي يزيد من مردود التحصيل الدراسي و خاصة مع تلامذة الطور الابتدائي، و مع مرور السنين يجب أن يتطور هذا التحفيز، فبعد أن كان عبارة عن بطاقات نقاط أو صور فيها رسوم، يصبح التحفيز لغويا كان يقول الأستاذ : جيد، أحسنت، واصل،... و يكون التحفيز أيضا بالعلامات المحصل عليها.
أما فيما يخص الشخصية، فتلعب دورا هاما في كيفية التحصيل الدراسي، و تظهر خصوصا عند المراهق الذي يريد إبراز قدراته المعرفية و العقلية أمام أقرانه من الجنسين، و هنا تلعب شخصيته الدور الأكبر إما في التحصيل السلبي أو الإيجابي حسب ما يعكس من شخصية.
- العوامل الخارجية :
و تتمثل أساسا في كل من : الأسرة، المدرسة، المعلم و زملاء القسم.
- الأسرة :
تعتبر الأسرة هي الخلية الأولى التي يتواجد الطفل فيها و ينمو و يتكون فيها قبل التحاقه بالمدرسة، و انطلاقا من الأسرة التي تعمل على تكوين صفات شخصية الطفل و تحديد ميوله و طبائعه، يستطيع بفضلها الحصول على مردود دراسي جيد إذا كانت الأجواء ملائمة.
فالأسرة تلعب دورا فعالا في جعل الطفل أو المراهق يسعى إلى النجاح أو العكس، و هذا طبعا راجع إلى ما تقدمه الأسرة من دعم مادي و معنوي، فالدعم المادي معروف : الأموال لشراء الكتب المقررة و غير المقررة ( كتب للمطالعة ..) على الطفل لزيادة معارفه و تحفيزه على الدراسة. أما الدعم المعنوي، فيكون عادة عبارة في المكافآت التي تقدمها الأسرة للطفل عند حصوله على معدل جيد أو عند اجتيازه المرحلة التالية في الدراسة، و كل هذا يكون مصحوبا أحيانا بالتوجيه و المراقبة غير التعسفية في حالة المراهقين، الذين يميلون أكثر إلى طلب الاستقلالية لا المراقبة الأسرية.
- المدرسة :
المدرسة هي البيئة الثانية للطفل، و فيها يقضي جزءا كبيرا من حياته، يتلقى فيها صفوف التربية و ألوان من العلم و المعرفة، فهي عامل جوهري في تكوين شخصية الطفل و تقرير اتجاهاته و سلوكه و علاقاته بالمجتمع و هي المؤسسة الرسمية التي تقوم بعملية التربية و نقل الثقافة المتطورة، و عندما يبدأ الطفل تعليمه في المدرسة يكون قد قطع شوطا لا بأس به من التنشئة الاجتماعية في الأسرة، فهو يدخل المدرسة مزودا بالكثير من المعايير الاجتماعية و القيم ،...
و بما أن المدرسة تعد المكان الذي سيتعلم فيه الطفل أو المراهق المقرر الدراسي فهي إذن مركز أو قطب التحصيل الدراسي، حيث هنا سيحاسب التلميذأو الطالب على المجهود المبذول من طرفه خلال الفصول الدراسية.
و في هذه المؤسسة التربوية، لا يتعلم التلميذ أو الطالب العلوم فقط بل يتعلم أيضا التعاون و الانضباط في السلوك، كما يتعامل مع مدرسيه كقيادات جديدة و نماذج مثالية، فيزداد علما و تنمو شخصيته من كل النواحي.
- المعلم :
و هو عضو فعال داخل المدرسة، و أهميته لا تقل عن باقي المؤثرات فهو لا يؤثر على شخصية التلميذ أو الطالب فحسب بل على ما يتعلمه. و يظهر هذا في فاعلية التعلم التي تتأثر بدرجة كفاءة، ذكاء، قيم و اتجاه ميول المعلم، فهو عنصر أساسي و فعال في حياة التلميذ أو الطالب الدراسية، فإذا كان نموذجا حسنا سيؤدي حتما إلى عملية تربوية تعليمية حسنة و بالتالي تحصيل التلاميذ قد يكون عاليا و حسنا.
بالإضافة إلى أن أسلوب التدريس الجيد، يثير دوافع المتمدرسين نحو المشاركة و النقاش حول الموضوع المطروح.
كما أنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كل الفروق الفردية التي تساعده في تحديد أسس التعامل مع هذه الفروق بطريقة سليمة، فتكون هناك أكبر نسبة نجاح و من واجب المعلم أن يساعد الطالب على استخدام طاقاته الانفعالية الجديدة في طرق ايجابية كما يجب على المعلم أن يسعى إلى الاهتمام بقدرات الطالب الفطرية، حيث يمكن أن تساهم في نجاحه الدراسي، في حين أنه قد يحدث الفشل و التخلي عن هذه الإمكانيات بمجرد إهماله، لذلك، فالمعلم أو الأستاذ، لا تنحصر مهمته في التدريس فحسب و إنما تتعداها إلى إبراز قدرات المتعلم و توجيهه نحو الميدان الذي يلائم إبداعاته و تطلعاته.
- جماعة الرفاق :
تتكون جماعة الرفاق من أفراد تتقارب أعمارهم الزمنية و العقلية، يؤلفون فيما بينهم وحدة متماسكة، تؤثر تأثيرا قويا على سلوك الطفل أو المراهق، و يفوق أثرها على البيت و المدرسة في هذه المرحلة من الحياة و قد تؤثر سلبا أو إيجابا.
ففي السن المتراوح بين 6 إلى 12 سنة، و بالتحاق الطفل بالمدرسة، تتسع دائرة الاتصال الاجتماعي مع انتقاله من البيت إلى المدرسة بخاصة مع أقرانه و زملائه في القسم الدراسي، حيث يتعرف على أطفال مثله في السن و في الخبرة و في العلاقات الاجتماعية، ثم مع التقدم في السن، و عن طريق اللعب بخاصة الجماعي تنمو قدرته على المشاركة الاجتماعية و تزداد صداقاته بنمو روح التعاون بين الأطفال.
أما فيما يخص السن المتراوح ما بين 14 إلى 17 سنة، أي في مرحلة المراهقة، فإن المراهق هنا يتجه إلى اختيار الأصدقاء برغبة الانضمام إلى جماعة من أقرانه بخاصة الذين يشبعون حاجاته النفسية و الاجتماعية، كما يتميز حديثهم في أغلب الأحيان حول الدراسة، الرياضة، الموسيقى، الأفلام، الحياة العاطفية،...
و مهما يكن، فالطفل أو المراهق بحاجة إلى هذه الجماعة من الأصدقاء، لكن ما يجب مراعاته هو حسن اختيار الأصدقاء، لأن رفقاء السوء يؤثرون حتما سلبيا على تحصيل المتعلم الدراسي و تؤدي به إلى الانحراف ، و لهذا فمن الأفضل اختيار زملاء المدرسة الذين لا يخلو غالبا حديثهم عن الدراسة.
- البيئة الاجتماعية :
نقصد بها الوسط الاجتماعي الذي يعيش التلميذ أو الطالب، حيث أن النجاح المدرسي له علاقة وثيقة بالفئات الاجتماعية الثقافية ( أثبتتها العديد من الدراسات التي أجريت في هذا الميدان ).
فالأطفال المحرومون و أطفال الريف مثلا هم أقل نجاحا من أبناء الفئات الغنية، حيث أن الفئتين لا تعطي نفس الأهمية للمتمدرس و نتائجه. كما أن الفئات المحرومة طموحاتها بسيطة، فيؤثر ذلك على تحصيلها الدراسي و ليكون هناك مردود أفضل يجب أن يكون هؤلاء مهيئين للتفتح الاجتماعي و المعرفي.
كانت هذه مجمل العوامل الخارجية المؤثرة على التحصيل الدراسي للطفل و المراهق، لكن إضافة إلى ما ذكرنا آنفا، توجد عوامل أخرى مؤثرة و هي عبارة عن عوامل ذاتية و أخرى موضوعية، و في الحين سنشرحها :
- العوامل الموضوعية :
- الطريقة الكلية و الجزئية :
حيث اختلف العلماء في تفضيل إحدى الطريقتين عن الأخرى، و لكن الطريقة الكلية هي الأفضل حيث تساعد الطالب في تناول المواضيع ككل إذا كانت مجزأة.
أما الجزئية، إذا كانت أجزاء في المادة أو لصعوبتها، فالطالب عادة ما يخوض في الأمور التي يتقن متطلباتها.
- نوع المادة و مدى تنظيمها :
كلما كانت المادة المدروسة مرتبة منطقيا مرتبطة بالدروس، كلما سهل على التلميذ أو الطالب الحفظ بسرعة و المراجعة ببساطة و بالتالي الحصول على نتائج أفضل.
- التسميع الذاتي :
و هي محاولة استرجاع الحفظ، مما يساعد على حفظ المعومة و القدرة على استدعائها حين يستدعي الأمر، و هذا غالبا يكون ما يكون ضروريا يوم الامتحان.
- التوجيه و الإرشاد :
ثبت فعلا أن التحصيل الجيد يقترن بالإرشاد و التوجيه السليم و الصحيح، فيعي الطالب قيمة المراد تحصيله.
- العوامل الذاتية :
- الخبرة السابقة :
و تكون بإلمام التلميذ بمعلومات مسبقة عن المواضيع أو المواد التي سيتعرض لها و هذا من أجل الحصول على مردود وافر و بالتالي فالتحصيل سيكون جيدا.
- الحالة الجسمية :
وذلك أن الحالة التي يكون عليها الطالب مثل الجوع أو العطش و تأثر الحواس أو الأمراض، كل هذا يؤثر سلبا على تحصيل المتمدرس إما في الحال أو مستقبلا.
- الحالة النفسية :
مثل ما يراود التلميذ من حالات الاكتئاب أو القلق كقلق الامتحان الذي يؤثر في معظم الأحيان سلبا على المجهود و بالتالي النتيجة التي سيحصل عليها التلميذ فيما بعد، إضافة إلى الخوف من الأسئلة التي ستطرح، كل هذا يشتت تركيز التلميذ و انتباهه و بالتالي نتيجة التحصيل ستنعكس سلبا.
- الثواب و العقاب :
و له أثر كبير في التحصيل الجيد، فالثواب يزيد من احتمال حدوث الاستجابة، فهو يؤثر ايجابيا من حيث ارتياح الطالب و يجعل لدراسته معنى و أهمية و بالتالي يزيد في همته و دافعيته إلى تحقيق المزيد من النشاط العقلي و بالتالي النجاح.
بينما العقاب، فهو عكس ذلك، فهو ينقص من فعالية التلميذ و يحد من دافعيته للمشاركة، لذا لابد من عدم المبالغة في استخدامه و إن لزم الأمر، فليكن بعقلانية و كذا استعمال طرق لا تمس مشاعر المتعلم أمام زملائه في القسم، خاصة الطفل لأن العقوبة الشديدة قد تؤثر عليه مستقبلا في حياته كفرد، أما المراهق، فعلينا مراعاة المرحلة التي يمر به، و عدم إحراجه أمام الأقران.
- وضوح الهدف من التحصيل :
و هذا من البديهيات، فكلما كان الهدف مسطرا و الإصرار على تحقيقه موجودا، كان داعي و محفز للاستمرار و النجاح متواصلا.
الـخـلاصـة
لقد تعددت العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي، و كما لاحظنا أن كل واحدة مكملة للأخرى، بحيث لا نستطيع التكلم عن عامل إلا و كان الذي يليه مؤثرا أو له دخل، فالعوامل ألخارجية متكاملة فيما بينها، بحيث أن الأسرة هي البيت الأول لمتمدرس ثم يأتي دور المدرسة، البيت الثاني، أين سيجد التلميذ نفسه في أسرة جديدة يكون الولي فيها هو المعلم أو المدرسة، و الإخوة يمثلهم زملاء القسم أو الصف، و كما رأينا أن كلا من هذين العنصرين يؤثران إما ايجابيا أو سلبيا في تحصيل التلميذ و هذا وفقا للطريقة و الأسلوب المتبع من طرف الأستاذ و نوع الرفاق الذي يختارهم. كما أن للمجتمع لمسته الخاصة، و المتمثلة في القيمة التي يعطيها لأهمية الدراسة.
أما فيما يخص العوامل الداخلية، فهي كل ما يخص التلميذ أو الطالب بحد ذاته، ابتداءً بنموه العقلي، الذي يختلف من الطفولة إلى المراهقة، كما أن الجنس كذلك يلعب دورا هاما، فكثيرا ما نرى أن الذكور يتفوقون على الإناث في شعب لا تتفوقن فيه الإناث و يحدث العكس طبعا في الشعب التي لا يتفوق فيها الذكور، إضافة إلى عامل الذكاء الذي يعد من بين الفروق الفردية التي تميز كل تلميذ عن آخر من ذكي إلى عبقري أو متوسط ذكاء إلى متأخر دراسيا.
دون أن ننسى الحوافز و الاستعدادات و الميول و الرغبات...
كل هذه الأمور تؤثر إما ايجابيا أو سلبيا على طريقة التحصيل الدراسي لكلا من الطفل "التلميذ" و المراهق "الطالب" ، لذلك و جب على الراشدين و هم الأولياء و الأساتذة و كل من يحيط بهذا المتمدرس أن يراعوا متطلباته، و أن يحسنوا توجيههن و أن لا يكونوا سبب فشله في الدراسة.
الـخـاتـمـة
و في الأخير، نستطيع القول أنه رغم كل ما قدمناه بخصوص هذا الموضوع، يبقى التحصيل الدراسي من المواضيع التربوية التي وجب تسليط الضوء عليها، كما تبقى من الأمور المهمة الواجب الإطلاع عليها و إفادتنا بالإحصائيات.
و عموما، نعترف أن هذا البحث، يعد مجهودا متواضعا يحتاج إلى دراسة أعمق و ذلك للتعرض ـ ربما ـ للنقاط التي لم نتعرض إليها سوها، و التي قد تتطلب المزيد من الدراسة.
و ما قمنا به ما هو إلا ملخص لمجموعة من البيانات التي حصلنا عليها من مختلف الراجع التي اطلعنا عليها.